البيئة وتغير المناخ

اثنين, 08/28/2023 - 10:52

وُضِعَ الإنسان على هذا الكوكب الذي لم تشوبه شائبة، فكان ممتلئًا بالحياة والكائنات الخلابة، كلُّ ما عليه يقوم بدوره في دائرة الحياة المحكمة، متعايشًا مع الكوارث الطبيعية التي لا مفر منها، ومتحملًا التغيرات التي تنتج عنها. وإنه لمن المدهش أن ندرك الآن وقد عرفنا ما عرفنا عن تاريخ الإنسانية على الأرض أننا – نحن البشر – قد بدأنا مثلنا مثل أي كائن آخر عليها. فتخبرنا الأدلة أن البشر الأوائل شربوا من الأنهار والجداول القريبة، وأكلوا مما توفر لهم من نباتات، وأسماك وحيوانات أليفة؛ ليعيشوا يومًا آخرًا. كما سعوا لإيجاد ملجأ لهم من الكائنات المفترسة والظواهر التي لم يعرفوا لها تفسيرًا. إلا أن البشر كانوا مختلفين عن بقية الكائنات؛ فلم يتمتعوا بالغرائز التي تمنكهم من العيش والحياة فحسب، بل خلقوا بصفات جسدية متميزة وقدرة فريدة على الإبداع. ولكن للأسف، فمع تقدم البشر، وانتشارهم في أنحاء الكوكب، محكمين قبضتهم على مصادره وكنوزه، معتصرين إياها بنهم سعيًا وراء مزيد من القوة والرفاهية التي ما كانت لترد على أذهانهم في يوم من الأيام؛ فقد أدركوا مؤخرًا، وبشكل مفاجئ مثير للدهشة، أنهم قد بدأوا دفع الثمن، وهو الثمن الذي تدفعه بقية الكائنات منذ سنوات وسنوات.

فهل تأخر الوقت؟ من المرجح أنه بالفعل قد تأخر لعدد لا يحصى من الكائنات؛ ولكنها ليست نهاية العالم بعد. فسوف تأتي نهاية العالم لا محالة، ولكن هل علينا أن نسرع بها؟ هل يتحتم علينا أن نكون نحن سبب هلاكنا؟ فأعتقد أننا نتفق جميعًا أننا إذا كنا قادرين على إحداث كل ذلك الدمار، فإننا قادرين على تداركه؛ فنحن الكائنات المبدعة ذوات أصابع الإبهام!

ونحن نأمل في أن تستمتعوا بتصفح المقالات المرتبطة بهذا الموضوع، وأن تساعدكم على إدراك عجائب العلوم بطريقة جديدة.

لولا أن كان جوّنا....

يروى أن مجموعة من الناس كانت تذهب لزيارة رجل حكيم، وفي كل مرةٍ يشكون له المشكلات نفسها. وذات يوم قال لهم نكتة فضحك الجميع، ثم أعادها ثانية فابتسم عددٌ قليل منهم، وعندما كررها ثالثةً لم يضحك منهم أحد. فابتسم الحكيم وقال: لا يمكنكم الضحك على النكتة نفسها مرارًا وتكرارًا، فلماذا تكررون البكاء على المشكلة نفسها!

في واقعنا كثير مَمنْ هم يشتكون مرارًا، وقد أتفهم الشكوى من أمور حياتية صعبة، ولكني أستغرب ممن يشكون من الجو ومن الطبيعة المحيطة بنا. فكثيرًا ما أسمع: ما هذا الجو! لمَ لا تنزل علينا أمطارًا كسائر البلدان؟ ليس لدينا أجواء جميلة ومناظر خلابة! وكأننا مَنْ يملك خيار أن نكون في هذه الطبيعة أو تلك! ثم كيف نعطي لأنفسنا الحق في التدخل في الخلق المـُحكم والشكوى منه؟ ولو كانت الطبيعة تنطق لقالت ما قاله الحكيم: ما لكم تكررون الشكوى ذاتها، وربما ستتعجب من شكوانا، فما نحن إلا ضيوف في دار الطبيعة، فحريٌ بالضيف أن يشكر استضافته وتمتعه بخيرات المضيف، لا الشكوى والتذمر منه.

إنَّ أجواءنا الصحراوية الساخنة –بما فيها من شُحةِ الأمطار وقلتها، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة– لها من الأهمية لما للأجواء الاستوائية، أو الباردة، أو الصحراوية الباردة، أو شبه الصحراوية، أو غيرها، ولا تستقيم الأرض إلا بهذا التنوع. وكذلك سكان الأرض موزعين بين تلك الأراضي والأجواء، وقد خُلقوا بانسجام معها. إلا أنّ النظر للجو من منظور شخصي ضيق يعشي الفهم للنظرة الكلية المـُحكمة للكوكب؛ علمًا أن خُمس أراضي العالم أراضي صحراوية، فيا ترى ما أهميتها؟

بنظرةٍ أكثر شموليةً نجدُ أنَّ الصحاري الساخنة والباردة تعمل على تعديل درجة حرارة الأرض المعقدة، إذ كونها قاحلة فهي كمرايا عاكسة لضوء الشمس مقارنة بالغابات أو البحار. وكذلك تُعد الصحاري بمثابة بلاعة كبيرة للكربون، إذ أنَّ البكتيريا الموجودة في الرمال تساعد على تخزين ثاني أكسيد الكربون وتمنعه من الصعود إلى الغلاف الجوي. وتعد الصحاري مصدرًا مهمًا للمواد الخام لصنع منتجات مثل: الطوب والزجاج والأسمنت. وفي كوكبنا 15 نوعًا من الرواسب المعدنية و13 نوعًا منها موجود في الصحاري؛ مما يجعل الصحراء مكانًا زاخرًا بالثروة المعدنية لانتعاش الاقتصاد المحلي والعالمي.

ما سبق قليل من كثير مما تزخر به الأراضي الصحراوية، ولا يعني ذلك دعوة لزيادة رقعة الأراضي الصحراوية، وإنما دعوة لإعادة تقديرها والنظر دائمًا إلى الصورة الكلية للطبيعة ومكوناتها، وعدم الشكوى من أجوائها، فهي وإنْ بدت قاسية، أكثر أمانًا مما نشهده في العالم حولنا من زلازل وبراكين وأعاصير وكوارث لا حصر لها. فلنكفّ عن قول «لولا أن كان جوّنا!»، ونشكر النعمة التي نحن فيها.

التصنيف: 

الأخبار

الصفحات